بأعجب ولا أعجز من أية آية من آيات الله .. فإن أصغر ذرّة فى هذا الوجود ، لو صادفها عقل رشيد ، ونظرت إليها عين مبصرة ، لرأت فيها من آيات الله ما يملأ القلب عجبا ودهشا .. ولكن النّاس ـ إلا قليلا منهم ـ لا يلفتهم إلى آيات الله إلا ما تلقاه حواسّهم لقاء مباشرا. حيث يتحرك أمام أعينهم ، ويتحدث إليهم بما فى كيانه من آيات ومعجزات .. والله سبحانه وتعالى يقول : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) (١٠٥ : يوسف).
فهذا التمهيد ، هو نخسة قويّة تنبه الغافلين ، وتوقظ النائمين ، وتنحى باللائمة على أولئك الذين لا يفتحون عيونهم ، ولا يوجهون عقولهم على هذا الوجود ، الذي كلّ ذرة من ذراته ، وكل موجود ـ وإن صغر فى العين ، وخفّ ميزانه فى التقدير ـ هو آية باهرة معجزة ، من آيات الله.
وإذن فليست قصة أصحاب الكهف ، التي يكثر الطالبون للتعرف عليها ، ويلحّ المجادلون وأدعياء العلم فى معرفة ما عند النبي منها ـ ليست هذه القصة بأعجب فى ظاهرها وباطنها ، من قصّة نواة أو حبّة ، تدفن فى التراب ، ثم لا تلبث أن تكون نبتة مخضرة ، تجرى فيها الحياة ، كما تجرى فى الوليد ينفتق عنه رحم أمه .. ثم إذا هى بعد زمن ما قد علت ، واستوت على سوقها ، وأخرجت زهرا ذا ألوان زاهية معجبة ، يفوح منها ريح عطر .. ثم ، وثم .. إلى آخر قصتها!
* * *
ثم بعد هذا التمهيد ، وبعد هذا العرض الموجز للقصة .. يبدأ العرض .. عرض القصة كلها .. فى كلمات متناعمة ، تتردد منها أصداء موسيقى خافتة عميقة ، كأنها تجىء من بعد بعيد ، فى أغوار الزمن السحيق .. فتنقل المشاعر والعواطف