من جنود الله ـ لا يراهم ـ يحفّون به ، ويستمعون إليه ، ويؤمنون به ، وبالكتاب الذي أنزل عليه.
ومن هذا الذي يستمع إلى كلام الله ، ويستجيب لرسوله؟ إنهم جماعة من «الجنّ» .. الجنّ الذي يضرب به المثل فى الخروج على كل نظام ، والتأبّى على كل نداء!.
فكيف لا يكون لهذا القرآن مثل هذا الأثر فى نفوس الناس ، وفى أضلّهم ضلالا ، وأعتاهم عتوّا؟
ولا شك أن فى هذا قدرا كبيرا من التنفيس عن رسول الله ، والتطييب لخاطره ، بعد تلك التجربة القاسية التي مرّت به فى الطائف .. وإنها لزاد يتزوّد به الرسول ، ويجد منه القوة على مواصلة السّير فى طريقه إلى قومه ، وفى مواجهة تحدّيهم له ، وعنادهم وتأبّيهم عليه!.
وعلى هذا العزم ، ومع تلك القوة ، مضى الرسول إلى مكة!.
ولا يجد الرسول قومه ، على غير ما عرف منهم .. إنهم على هذا الضلال المبين ، وعلى تلك العداوة له ، والخلاف عليه .. وأنه إذا كان قد وجد من استماع الجنّ إليه ، ما يشدّ عزمه ، ويدفع به إلى مواجهة قومه فى مكة ـ فإنه ما زال فى حاجة إلى أمداد أخرى ، تثبّت قدمه ، وتشدّ عزمه ، وتلقى أضواء على هذا الظلام الكثيف المنعقد فى سماء مكة ، بينه وبين قومه.
لقد أبلى الرسول الكريم بلاءه ، فى الأرض ، واستنفد كل ما يعطى ويأخذ منها ومن أهلها ، فكان لا بد من عالم آخر ، يتزود منه بزاد روحى ، يشيع فى كيانه قوى مجدّدة ، لا تنفد على كثرة ما ينفق منها فى هذا النضال المتصل بينه وبين قومه ، حتى يحكم الله بينه وبينهم بالحق ، وهو خير الحاكمين .. فكانت رحلة الإسراء!