وثانيهما : أن هناك مخلوقات لا يفضلها الإنسان ، وهى إما أن تكون مساوية له فى الفضل ، أو هى أفضل منه ..
والذي لا شك فيه ، هو أن الإنسان فى أصل خلقته ، أفضل المخلوقات التي تعيش معه على هذا الكوكب الأرضىّ ، ولهذا جعله الله خليفته فى هذه الأرض .. كما يقول سبحانه وتعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)
ولكن هذه الخلقة المهيأة لأن تكون بمقام الخلافة لله تعالى على الأرض ، لا يتحقق لها هذا ، حتّى تحقق هى ذاتيتها ، وتخرج القوى الكامنة فيها ، وتفجّر الطاقات المندسّة فى كيانها .. كالنواة التي تضمّ فى كيانها عناصر شجرة عظيمة ، أو نخلة باسقة .. تظلّ هكذا شيئا ضئيلا ميتا ، حتى تندسّ فى صدر الثّرى ، ثم تتفاعل معه ، وتخرج خبأها بعد جهد وصراع.
أما الإنسان الذي لا يعمل على الانتفاع بما أودع الله فيه من قوى ، فسيظل كتلة باردة من لحم ودم ، لا يرتفع كثيرا عن مستوى أدنى الحيوانات وأحطها منزلة .. والله سبحانه وتعالى يقول : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٤ ـ ٦ : التين).
هذا هو مقام الإنسان فى العالم الأرضى .. إنه سيد المخلوقات كلها فى هذا العالم ، مادام محتفظا بإنسانيته ، عاملا على الارتقاء بوجوده .. أما المخلوقات التي فى غير هذا العالم الأرضى ، فلا شأن للإنسان بها ، كما أنها لا شأن لها بالإنسان ، ومن ثمّ فالمفاضلة بينه وبينها شىء غير وارد ، وغير منظور إليه .. إذ لا تعامل بين الإنسان وبين تلك المخلوقات!