ووصف طلعها ـ أي ثمرها ـ كأنه رءوس الشياطين .. والشيطان ملعون من الله .. فهى لهذا عدوّ مبين للإنسان ، الذي سيسوقه شؤمه إلى أن يطعم منها ، فيجب أن يحذرها ، كما يحذر الشيطان .. فناسب ذلك أن تبدو لأعين النّاس فى صورة الشيء الملعون ، الذي يحذر ، ويتوقّى.
وثانيا : أن وصف الشجرة بأنها ملعونة ، لا ينبنى عليه أنها ملعونة من الله ، وإنما هو وصف بالنسبة لآثارها فيمن يذوق طعمها ، فهو طعام كريه ، لا يطعمه إلا الخاطئون .. فإذا وصف الشيء بأنه مرّ المذاق ، أو خبيثه ، فهو بالنسبة لطاعمه .. وقد لا يكون طعمه على تلك الصفة فى حقيقته ..
ثالثا : جاء فى قوله تعالى فى وصف الشجرة : (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) .. فهى فتنة ، كما أن الشيطان فتنة .. وقد جاء فى قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) أي هى فتنة كذلك .. وهذا مما يرجح القول بأن المقصود بالشجرة هى شجرة الزقوم ، كما يقيم ذلك دليلا على أنها شجرة ملعونة ..
أما عن استنكار المشركين للجمع بين النار ، والشجر .. فذلك لجهلهم بقدرة الله ، أولا ، ولجهلهم بأسرار الطبيعة ثانيا .. فالنار ، والشجر ، والماء ، والطين .. وكلّ ما يرون فيه من تناقض. هو من أصل واحد ، ومن مادة واحدة ، وإن اختلفت صوره وأشكاله .. وقد استطاع العلم الحديث أن يحوّل الأشياء من حال إلى حال ، بإجراء بعض التغييرات فى تركيب عناصرها ، كتحويل الصلف إلى لبن ، والخشب إلى ورق مصقول ، أو حرير ناعم ..
إلى غير ذلك مما يتحول به الشيء من النقيض إلى النقيض ..
بل إن الطبيعة نفسها لتقوم بهذه العمليات كل يوم ، فتحول الهواء الشفاف إلى ماء ، وتحول الماء إلى هواء .. كما تحول الماء السائل إلى ثلج جامد ، والملح