وصالحها عليه ، وأسلم زمامها له ـ كان عليه أن يواجه الناس ، وأن يجاهد فى سبيل الحق الذي عرفه ، وآمن به ، فيكون حربا على المنكر ، بقلبه ولسانه ويده ، جميعا ..
ومن هنا كان الصبر قرين الحق فى كلّ دعوة يدعو إليها الإسلام ، فى مجال الخير والإحسان ، وفى كل ما من شأنه أن يقيم الإنسان والإنسانية على صراط مستقيم ..
ففى الدعوة إلى الصفح والمغفرة ، ودفع السيئة بالحسنة ، يكون الصبر هنا عدّة من يمتثلون هذه الدعوة ، ويقدرون على الوفاء بها ، وإلّا لو دخلوا المعركة بغير هذه العدة ـ عدة الصبر ـ لا يحلّ عزمهم ، ولم يكن لهم من سبيل إلى احتمال تبعات هذه الدعوة .. فكان قوله تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ .. ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*. وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (٣٤ ـ ٣٥ : فصلت) ـ جامعا بين الدعوة إلى الصفح والمغفرة ، وبين الصبر ، الذي بغيره لا يمكن حمل النفس على هذا المكروه عندها ، وهو دفع السيئة بالحسنة ..
وفى تنبيه الإنسان إلى الخطر الذي يطلّ عليه من تسلط أهوائه ، وساوس شيطانه ، يقول الله تعالى : (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) لا يستثنى سبحانه أحدا من الصيرورة إلى هذا المصير : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ).
هذا ، وللحق أصول ثابتة فى الحياة ، هى الروح السّارية فى هذا الوجود ، وهى الغالبة لكل باطل ، حيث يكون له زبد ورغاء عند تشبثه بالحق ، وتعلقه بذاتيته ، كما تتعلق النباتات الطفيلية بأصول الأشجار الكريمة .. يقول سبحانه وتعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ .. تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) .. ويقول