يخلص للطرق والصقل ، ويصبح آنية نافعة ، أو حلية ثمينة معجبة ..
ـ «كذلك يضرب الحق والباطل» أي يضرب بعضهما ببعض ، فى هذا الصدام الذي بين أولياء الحق ، وأتباع الباطل ، فينشأ من هذا الضرب ، وذاك الصراع «زبد» .. (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) أي يرمى به بعيدا ، فى جفاء وكره .. (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) أي ما ينفع الناس من الماء ، ومن المعادن هو الذي يبقى ، ويعيش مع الناس ـ ويكون سببا فى حياتهم .. كالماء ، أو سببا فى تمكنهم من أسباب الحياة ، ورفهها ونعيمها كالمعادن التي تصاغ منها الآنية والحلىّ ..
فالصراع الذي يقع بين الحق والباطل ، يثير فى الحياة غبارا ، ودخانا ، يعكر من صفو الحياة حتى ليبدو لأول نظرة أن غير هذا الصراع أولى بالناس ، ولكن تلك هى سنة الحياة ، إذ كان من شأن الباطل دائما أن يتحكك بالحق وأن يعترض سبيله ، وكان على الحق أن يعمل على الخلاص منه ، حتى يصفر وجهه ، ويتمكن الناس من الانتفاع به .. تماما كما ينتفعون بالماء بعد أن يدور دورته ، ويخلص من الزبد الذي علق به!!.
والذين يشهدون الصراع الدائر بين الحق والباطل ، ويرصدون مواقع القتال بينهما ، وما يقع من انتصارات وهزائم ـ هؤلاء قد يرون للباطل دولة ، دونها دولة الحق ، ويرون للمبطلين ، صولة ، دونها صولة المحقّين ، ومن أجل هذا نجد كثيرا من الناس يضيقون بالحق ذرعا ، ولا يصبرون على المكاره فى سبيل الانتصار له والدّفاع عنه .. وهؤلاء قد فاتهم أن هذه المكاره التي تحفّ بالحق ، هى الثمن الذي يؤديه أصحاب المثل العليا ، والنزعات الطيبة لما يجنون من ثمرات مباركة ، هى غذاء الأرواح ، وزاد القلوب ، وهى التي تلد الرجال ، وتربىّ للإنسانية قادتها الراشدين ، وزعماءها المصلحين ..