تلك الآيات من الظهور والبيان ، بحيث لا تخفى على أي إنسان له مسكة من عقل .. فكل إنسان احتفظ بإنسانيته قادر على أن يوجّه عقله إلى تلك الآيات ، وينتفع بها فى التعرف على خالقه ..
ولا بد من وقفة هنا ، مع أسلوب هذا العرض المعجز لآيات الله ..
فقد جاء العرض على أسلوب من التربية الحكيمة العالية ، التي تلتقى مع العقل فى جميع مستوياته ، وعلى مختلف أنماط تفكيره ..
فقد بدأ العرض بالسماوات ، مجملة من غير تفصيل .. هكذا .. (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها .. ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ)
وفى السموات ، وفى هذا الملكوت الذي يقصر الطرف عنه ، ويضيق الخيال عن تصوّره ، منطلق لجميع العقول ، ومسبح لكل المدركات. وهيهات أن يكون إنسان ، لم يرفع بصره إلى هذا الملكوت ، ولم يسرح بخياله مع شموسه وأقماره وكواكبه ، ونجومه!
ثم يمسك القرآن ـ بعد هذا العرض العام للعالم العلوي ـ بظاهرتين بارزتين من مظاهر هذا العالم ، وهما الشمس ، والقمر ، ففيهما مجال لنظر الناظرين ، وتدبر المتدبرين .. ذلك أنه إذا غفل الإنسان الغافل الجهول ، عن الوقوف على ما فى السموات من آيات بيّنات ، تحدّث عن قدرة القدير ، وحكمة الحكيم ، وعلم العليم ـ فإنه لن يستطيع ـ ولو حاول ـ أن يغمض عينيه عن الشمس والقمر ، اللذين يملآن عليه وجوده .. وفى هذا يقول سبحانه : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى)
ثم يتحرك العرض إلى مستوى دون هذا المستوي .. فينتقل العرض من السماء إلى الأرض. وذلك لأنه إذا كان فى الناس ـ وكثير ما هم ـ من لا يرى