ـ وقوله تعالى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا) ..
حتّى حرف غاية لما قبله ..
وهنا كلام محذوف هو الغاية التي يشير إليها هذا الحرف .. والتقدير : أن مهمة الرسل هى الوقوف فى وجه هذا الظلام الزاحف ، والتصدّى لتلك القوى العاتية من قوى الشرّ والعدوان ، وأنهم مطالبون بأن يثبتوا ، ويصبروا ، ويصابروا. فإن نصر الله آت لا ريب فيه .. وهكذا يظل الرسل فى متلاطم الشدائد والمحن ، حتى لقد يدخل اليأس عليهم ، وتغيم الحياة فى أعينهم ، ويغمّ عليهم طريق النجاة ، ويخيل إليهم أن النصر أبعد ما يكون منهم ـ عندئذ تهب ريح النصر ، وتطلع عليهم تباشير الصباح ، فتطوى جحافل الظلام ، وتطارد فلوله ..
وإذا دولة الباطل قد ذهبت ، وذهبت آثارها ، وإذا راية الحق قد علت ، وخفقت أعلامها ..
وفى هذا تسلية للنبىّ الكريم ، وشحد لعزيمته ، وتثبيت لقدمه ، وتطمين لقلبه ، وتأكيد للوعد الذي وعد به من ربّه فى قوله تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٢١ : المجادلة)
هذا ، وليس فى استيئاس الرسل ، وفى إطافة الظنون بهم ، وبأنهم قد كذبوا ـ ليس فى هذا ما ينقص من قدر الرّسل ، أو يشكك فى كمال إيمانهم بربهم ، واستيقانهم من صدق وعده .. فهم على يقين راسخ بما وعدهم الله به ، ولكن هناك مواقف حادّة من الضيق ، وأحوال بالغة من الشدّة ، تأخذ على الإنسان تقديره وتدبيره ، وتمثّل له الحقائق المحسوسة التي عايشها ، ونزلت من عقله منزل اليقين ، وقد قلبت أوضاعها ، وتبدّلت حقائقها ـ عندئذ وللحظة