هو الضبط ، والحزم فى تنفيذ الخطّة التي رسمها العلم. فهو بعلمه قد كشف عن الداء ، وعرف الدواء ، وبحزمه وضبطه قادر على أن يحمل المريض على التزام ما يرسمه له من أسلوب الحياة ، وما يقدّم إليه من دواء ، وإن كان مرّا ..
فالمشكلة التي تواجه مصر فى هذا الوقت كانت محتاجة إلى الحزم الصارم ، وأخذ الناس على طريق مرسوم لا يحيدون عنه ، وإلا كان الهلاك والبلاء! ..
إن مصر يومئذ كانت تستقبل سبع سنوات من الخصب والخير ، ثم تستقبل بعدها سبع سنين من الجدب والقحط .. فإذا لم تعمل من يومها حسابا لغدها ، وإذا لم تستبق من سنوات الخصب ما يسدّ حاجتها فى سنوات الجدب ، كان فى ذلك البلاء الشامل ، الذي يأتى على كل حياة فيها ..
وأمر كهذا لا بد أن يكون الحزم والضبط أول خطة يختطها ولىّ الأمر مع الناس ، ويأخذهم بها ، وإلا فإن الناس قد ينسون فى يومهم ما هم فى حاجة إليه لغدهم ، إذ النفس مولعة بحبّ العاجل ، لا تلتفت كثيرا إلى المستقبل وتوقعانه ، وفى ذلك ضياع لهم ، حين تقع الواقعة بهم ، ولم يكونوا قد أخذوا عدّتهم لها.
ومن أجل هذا ، قدّم الحفظ على العلم : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). فالصفتان ، وإن كانتا مطلوبتين لمواجهة هذا الأمر هنا ، إلا أن الحفظ أولى ، وأهم من العلم .. إذ قد يستغنى الحفظ هنا عن العلم ، ويتحقق للناس بعض الخير ، أو كثير منه .. على حين أنه لو استغنى العلم عن الحفظ لما تحقق للناس ، فى هذه الحال ، خير أبدا ، ولكان العلم مجرد حقائق مرسومة فى كلمات ، أو مودعة فى كتاب .. فإذا اجتمع الحفظ والعلم ، اجتمع الخير كلّه.
وفى القرآن الكريم موقف شبيه بهذا الموقف ، فيما كان بين «موسى»