لقد ألف القوم يوسف ، وألفهم ، وأخذ منهم وأعطى .. حتى لقد كادوا يسألونه : من أنت؟ وما لك تؤثرنا بقربك ، وتختصنا بالحديث إليك؟ وما اهتمامك بأهلنا ، وبمن خلّفنا وراءنا حتّى تحملنا على أن نحضر لك أخانا الذي تخلف عنا ، ثم ها هو ذا يصبح رهينة بين يديك؟
هذه الأسئلة ، وكثير غيرها ، كانت تدور بين القوم ، ويتناجون بها أفرادا وجماعات .. ثم لا يجدون عليها الجواب الذي يستريحون إليه ، حتى جاءهم الخبر اليقين!
(قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ؟)
وما كاد يوسف يقول هذا لهم حتى أطلّ عليهم الجواب الذي كان تائها فى رءوسهم :
(قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ؟)
ـ (قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
لقد جلس لهم يوسف مجلس الإمارة ، وأجلس أخاه إلى جانبه .. ثم استدعاهم إليه ، على تلك الحال التي جاءوا بها .. وهم لم يعتادوا من قبل أن يروا أحدا يشاركه مجلسه .. فلما أخبروه بخبرهم ، وبالضرّ الذي مسهم ومس أهلهم ، وبالبضاعة المزجاة التي قدموها ليكتالوا بها ، وطلبوا إليه أن يقبلها منهم ، وأن يحسن الكيل لهم بها ـ لمّا فعلوا ذلك ، لم يجبهم إلى شىء من هذا ، بل فاجأهم بقوله :
(هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ؟).
إنه سؤال العارف المتجاهل .. يريد بسؤاله هذا عتابا لا لوما ، واستئناسا لا استيحاشا ، واعتذارا لهم قبل أن يعتذروا ، إذ أضاف ما فعلوه بيوسف وأخيه