فى هذا تحذير لأولئك الذين تدعوهم أهواؤهم إلى إتيان المنكر ، فيسوّغونه بتلك الصفات الكاذبة التي يخلعونها عليه ، ويلبسونه بها ثوب الحلال الطيب .. فما اشتهته أنفسهم جعلوه حلالا طيبا ، وإن كان فى حقيقته حراما خبيثا ، وما لم تمل إليه أهواؤهم وسموه سمة الحرام ، وإن كان حلّا مباحا ..
ـ وفى قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) إشارة إلى أن هذه المقولات التي يقولونها فى حلّ الأشياء وحرمتها ، إنما هى مما أملته عليهم أهواؤهم ، وأنهم لم يحتكموا فيها إلى شرع أو عقل ..
ـ وقوله تعالى : (الْكَذِبَ) بدل من ضمير النصب المحذوف ، وهو العائد على الاسم الموصول من الفعل «تصف» ـ أي ولا تقولوا لما تصفه ألسنتكم ، الذي هو الكذب ، فما تصف ألسنتهم إلا كذبا ، ولا تقول إلا زورا وبهتانا ..
ـ وقوله تعالى : (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) هو مقول قولهم ، أي إن قولهم عن مطعوماتهم ، هذا حلال ، وهذا حرام ، هو قول كذب ، قالوه لينتهى بهم إلى الافتراء على الله .. فاللام فى قوله تعالى : (لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) هى لام العاقبة ..
ـ وقوله تعالى : (مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ هو تعليل لنفى الفلاح عن الذين يفترون على الله الكذب ، فإنهم بافترائهم الكذب قد خسروا خسرانا مبينا .. ذلك أن هذا الذي عاد عليهم من كذبهم وافترائهم ، هو شىء تافه ، استرضوا به أهواءهم فى هذه الحياة الدنيا ، فأوقعهم فى هذا الذي هم فيه ،