ولو كان معنى قوله تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) ـ لو كان معنى ذلك ، نسخ آية بآية ، لما كان من المناسب أن يكون التعقيب على ذلك قوله تعالى : (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) .. إذ أن النسخ للآيات القرآنية ، ليس من شأنه أن يثبّت قلوب المؤمنين ، بل إنه يكون داعية من دواعى الإزعاج النفسىّ ، بسبب تلك الآيات التي يعيش معها المسلمون زمنا ، ثم يتخلّون عنها .. ثم إنه من جهة أخرى لا يحمل النسخ على إطلاقه ، بشريات للمسلمين .. إذ أن أكثر ما وقع النسخ ـ كما يقول القائلون به ـ على أحكام مخففة ، نسخت بغيرها ، مما هو أثقل منها ، كما يقال فى الآيات المنسوخة فى الخمر وفى الربا ، وفى حدّ الزنا ..
ثم ـ قبل هذا كله ـ إن هذه الآية : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) .. هى مكية النزول ، بل من أوائل القرآن المكىّ ، حيث لم تكن قد شرعت الأحكام بعد ، فى العبادات ، والمعاملات ، وفى القتال ، وما يتصل به من غنائم ، وأسرى ، وغير ذلك مما يمكن أن يرد عليه النسخ ، إن كان هناك نسخ .. إذ أن النسخ ، إنما تناول الأحكام الشرعية وحدها.
هذا ، وقد استدل القائلون بالنسخ فى القرآن بآية أخرى ، هى قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) (٥٢ ـ ٥٣ : الحج) .. وسنعرض لهذه الآية فى موضعها إن شاء الله .. وحسبنا أن نقول هنا : إن النسخ وارد على ما يلقى الشيطان ، لا على آيات الله ، وأن الله سبحانه وتعالى يحكم آياته ولا ينسخها .. وإذن فلا نسخ فى آيات الله ..