وهذا مثل ضربه الله سبحانه وتعالى لمن يعطون العهد باسمه تعالى ، ثم ينقضون ما عاهدوا عليه .. فهؤلاء هم أشبه بامرأة خرقاء ، تغزل غزلا محكما ، ثم تعود بعد هذا فتنقض ما غزلته ، وأجهدت نفسها فيه .. وهذا لا يكون من عاقل ، يحترم عقله ، ويعرف لآدميته قدرها .. وهؤلاء الذين أعطوا العهد باسم الله ثم نقضوه ، كانوا قد أحكموا أمرهم ، ووثقوه ثم أفسدوه ، وأحلّوا أنفسهم من هذا الميثاق الذي واثقوا الله عليه ..
ـ وقوله تعالى : (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) جملة حالية .. فهم إذ يتخذون أيمانهم التي يوثّقون بها العهود بينهم. ثم ينقضونها ـ هم أشبه بتلك المرأة التي تغزل غزلا ، ثم تعود فتنقضه ، قبل أن تنسجه ، وينتفع به!
وقوله تعالى : (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) هو تعليل لنقص العهد ، واتخاذ الأيمان ذريعة للإفساد ، وتلبيس الأمور على الناس ، وذلك أن هذا النكث بالعهد كان ممالأة لجماعة قوية على حساب جماعة ضعيفة. أي أنكم تتخذون أيمانكم التي لا تبرّون بها ، للإفساد ؛ لا للإصلاح ، حين تميلون عن الحق ، وتنحازون إلى جانب الأقوياء ، فتنقضون العهد الذي كان بينكم وبين الجانب الضعيف ، لتتحولوا بذلك إلى الجانب القوىّ.
وهذه الآية خاصة بحال من أحوال نقض العهد ، وهى تلك الحال التي يكون الداعي فيها إلى نقض العهد هو الميل إلى جانب الأقوياء ، والتخلّي عن جانب الضعفاء ، وذلك بأن يكون الناقض للعهد ، بينه وبين جماعة عهد موثق ، فإذا رأى جماعة أخرى ذات شوكة وقوة انضمّ إليها ، ونقض عهده الذي كان بينه وبين الجماعة الضعيفة ، غير ملتفت إلى هذا العهد الذي بينه وبينها.
أما ما يتصل بنقض العهود عامة ، فقد جاء فى قوله تعالى بعد هذه الآية : (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها ...) الآية».