الإساغة لهذا الشراب .. وهذا مثل قوله تعالى : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (٧٨ : النساء).
قوله تعالى :
ـ (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) .. إشارة إلى أن ما يحيط بهذا الجبار العنيد يومئذ ، من بلاء ونكال ، هو مما تزهق به الأرواح ، وأن كلّ سوط من سياط هذا العذاب الذي ينوشه من كلّ جانب ، هو موت زاحف إليه ، ولكنه لا يموت ، بل يظل هكذا أبدا ، يذوق عذاب الموت ، وما هو بميت .. (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) (٥٦ : النساء)
وفى إفراد الضمير فى قوله تعالى : (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) بعد قوله : (وَاسْتَفْتَحُوا).
ـ فى هذا إشارة إلى أن العذاب الذي يساق إلى الكافرين ، إنما يساق إليهم فردا فردا ، حتى لكأن كل ما فى جهنم من بلاء ونكال ، هو للفرد الواحد من أهل جهنم : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ* يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) .. فهنا يجد هذا الجبار العنيد نفسه وقد أفرد وحده فى جهنم ، يتجرع صديدها ، ويحترق بنارها ، ويشوى على جمرها ، من غير أن يكون معه أحد ، يشاركه هذا البلاء ، ويقتسم معه هذا العذاب الغليظ .. وهذا ما لا تتحقق صورته لو جاء النظم القرآنى هكذا : «وخاب الجبارون المعاندون ، من ورائهم جهنم ويسقون من ماء صديد ، يتجرعونه ولا يكادون يسيغونه ويأتيهم الموت من كل مكان وما هم بميتين ومن ورائهم عذاب غليظ» .. فشتان بين نظم ونظم ، وبين قول وقول ، وتصوير وتصوير!