ولو جاءهم قرآن يتلى عليهم ، فتطل منه هذه الآيات الكونية المجسمة ، يرونها بأعينهم ، ويلمسونها بأيديهم : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ). (٧ : الأنعام)
وثانيا : الذين يعجبون لهذا الحكم الذي حكم به على المشركين .. سواء أكانوا من المؤمنين أو من المشركين .. وهؤلاء وأولئك جميعا ، يلقاهم قول الحق سبحانه وتعالى : (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) .. فلتخرس الألسنة ، ولتخضع الرقاب!
وثالثا : المؤمنون الذين كانوا لا يزالون على طمع فى أن يلحق بهم آباؤهم أو أبناؤهم ، أو أزواجهم ، أو إخوانهم ، من هؤلاء المشركين ـ هؤلاء المؤمنون مطلوب منهم أن يريحوا أنفسهم باليأس من إيمان هؤلاء الذين يطمعون فى إيمانهم ، وأن يستمعوا لقوله تعالى : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا؟) ..
ورابعا : هذا اليأس الذي وقع فى نفوس كثير من المؤمنين الذين كانوا يطمعون فى أن يلحق بهم أهلوهم وإخوانهم ، وأن يخرجوا من ظلام الكفر إلى الهدى والإيمان ـ هذا اليأس قد ترك مرارة وأسى فى نفوس المؤمنين ، فكان قوله تعالى :
(أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) ـ كان ذلك عزاء لهم ، إذ كانت تلك إرادة الله فيهم .. كما يقول سبحانه للنبى الكريم : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٥٦ : القصص) وكما يقول له سبحانه : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (١٠٣ : يوسف) وكما يقول له سبحانه أيضا : (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٣٧ : النحل).