فإذا ذكر المؤمن ربه ، وقد تلبست به تلك الحال ، واستولت عليه هذه المشاعر ، قرب من الله ، ودنا من مواقع رحمته ، وأحسّ برد السكينة يغمر قلبه ، ووجد ريح الأمن والطمأنينة تهبّ عليه ، معطرة الأنفاس ، زاكية الأرواح.
إن الإنسان إذ يذكر حدثا من الأحداث ، أو يستحضر صورة شخص من الأشخاص ، له به علقة حب أو بعض ، فإنه يجد فى كيانه لهذا الذكر ، ولذاك الاستحضار ما يهزّ كيانه ، ويثير عواطفه ، ويهيج أشجانه ، أو يبعث مخاوفه ..
وإلى هذا المعنى يشير الشاعر العربي فى مدح أحد الخلفاء .. إذ يقول :
خليفة الله إن الجود أودية |
|
أحلّك الله منها حيث تجتمع |
إن أخلف الغيث لم تخلف مواطره |
|
أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع |
والشاهد هنا فى قوله : «أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع» فهو يريد أن يقول : إنه إذا نزل به ضيق ، أو كربه كرب ، وجرى ذكر الخليفة فى خاطره ، كان له من هذا سعة من ضيق ، وخلاص من كرب ، وراحة من عناء وهمّ.
ويروى أن قيس بن الملوح (مجنون ليلى) وهو فى زحمة الحجيج بمنى ، سمع إنسانا يهتف بمن اسمها ليلى ، بل لعله عرف المجنون ، فأراد أن يهيج لواعجه ، ويحرك أشجانه ، فهتف بهذا الاسم ، كأنه يستدعى ابنة أو زوجا له ..
وأيّا ما كان ، فقد أثار هذا النداء بيا «ليلى» ثائرة المجنون ، وحرك بلابل أشجانه ، وعرته حال من الصبابة والوجد. كان وصفه لها فى هذين البيتين ، تصويرا لبعض ما استطاع أن يمسك به من مشاعره .. يقول المجنون :
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى |
|
فهيّج أشجان الفؤاد وما يدرى |