إذ كان ذلك هو مبتغاهم من احتمال المكاره ، والوفاء بالتكاليف الشرعية ، من عبادات ، ومعاملات وغيرها .. فالمراد بوجه ربهم هنا ، هو إقباله ـ سبحانه وتعالى عليهم ـ وقبوله لهم ..
ـ وفى قوله تعالى : (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) ـ هو عطف خاص على عام ، إذ كان الصبر جامعا لجميع التكاليف الشرعية ، ومنها إقامة الصلاة ، والإنفاق فى السر والعلن ، ودفع السيئة بالحسنة .. فهذه كلها مما لا يقوم بالوفاء بها إلا من رزقه الله الصبر والاحتمال .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى عن الصلاة : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) (١٢٢ : طه) وما يشير إليه قوله سبحانه عن درء السيئة بالحسنة : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (٣٤ ـ ٣٥ : فصلت) ..
فالصبر هو ملاك كل طاعة ، وميزان كل إيمان ، وعقد كل عقيدة .. ولهذا جاء قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) ـ جاء جامعا بين الحق والصبر ، إذ أنه لا يقوم حق إلا قام من ورائه الصبر .. إذ أنّ أكل حق يترصّد له الباطل ، ويزحمه الضلال .. وتجلية الحق ، ودفع الباطل عنه ، يحتاج إلى مدد عظيم من الصبر والمصابرة ..
ـ قوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) الإشارة هنا ترجع إلى أولى الألباب ، الذين عرفوا الله وآمنوا به ، واتصفوا بتلك الأوصاف الكريمة التي عرضتها الآيات السابقة .. فهؤلاء لهم عقبى الدار.
والعقبى : العاقبة .. وعاقبة كل أمر خاتمته ، وغايته ..