ويوسف عليهالسلام لم يكن على غير دين التوحيد ، فقد ولد مسلما ، ابن مسلم ، ابن مسلم ، ابن مسلم ، فهو كما فى الحديث الشريف : «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» .. ولكنه يعنى بهذا أنه لم يكن مجرّد متابع لدين ورثه عن آبائه ، بل إنه نظر إلى الدين الذي يدين به آباؤه ، وإلى الأديان التي يدين بها الملحدون ، الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، فعدل عن هذه الأديان ، وتركها وراءه ظهريّا ، وأقبل على دين آبائه ، لأنه الدين الحقّ ، الذي يدين به العقلاء! (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ).
ـ وفى قوله : (ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ) ـ إشارة إلى أنه هو وآباؤه ، وقد عرفوا طريق الحق ، ما كان يصحّ عندهم أن يعدلا عن هذا الطريق إلى طريق الشك بالله. وذلك من فضل الله علينا ، وعلى الناس الذين حمداهم إلى الإيمان ، وأقامهم على طريق الحق .. «ولكنّ أكثر الناس لا يشكرون» الله على ما فضل به عليهم من نعم ، فإن عدم التعرف على الإله المنعم كفران بهذه النعم ، يقود إلى الكفر بالمنعم ذاته.
ثم يمضى يوسف ، فيشرح لهما قضيّة الألوهية بمنطق الحسّ والمشاهدة : ـ (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ)؟ إن العقل يقضى لأول خاطرة ، أن الواحد الذي يجتمع إليه كل ما فى يد الآخرين من سلطان ، هو أولى بأن يلجأ إليه ، ويلاذ به ..
فالله ـ سبحانه ـ هو ربّ الأرباب ، فكيف يعدل عنه إلى من هم تحت سلطانه؟ وكيف يعبدون من دونه؟ ذلك هو الضلال البعيد!