قوله تعالى : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
الإرجاء : التأخير والانتظار ، .. يقال : أرجأت الأمر وأرجيته ، أي أخرته .. ومرجون لأمر الله ، أي مؤخرون ومنظرون لما يقضى به الله فيهم.
قيل نزلت هذه الآية فى الثلاثة الذين خلفوا ، وهم كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ، وهم من الأنصار ، وكانوا قد تخلفوا فى غزوة تبوك ، ولم يكن لهم عذر ، ولم يكن هذا التخلف عن نفاق. ولكن عن توان وفتور ، وتردد .. فلما رجع النبيصلىاللهعليهوسلم من تبوك تلقاه المنافقون بأعذارهم ، فقبلها منهم ، وتركهم لحسابهم مع الله .. وأما هؤلاء الثلاثة فإنهم صدقوا الرسول فيما قالوا إذ قالوا : «والله يا رسول الله مالنا من عذر نعتذر به» وكانوا حين تخلّفوا عن رسول الله قد استشعروا الندم. فأوثقوا أنفسهم بسوارى (١) المسجد ، وأقسموا ألا يطلقوا أنفسهم منها ، حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقهم ، فلما رجع الرسول ، وأخبر خبرهم ، قال : «وأنا أقسم لا أكون أول من حلّهم إلّا أن أومر فيهم بأمر». فلما نزل قوله تعالى : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) عمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فحلّهم .. ونهى رسول الله المسلمين عن مكالمتهم ، وأمر نساءهم باعتزالهم .. حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وأقاموا على ذلك خمسين ليلة ، ثم نزل قوله تعالى : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) فكان ذلك إيذانا بقبول توبتهم.
هذا مما أجمع عليه المفسّرون ..
غير أن لنا فى الآية رأيا آخر ، وهو أنها تكشف عن جانب من رحمة
__________________
(١) السواري : جمع سارية. وهى عمود المسجد.