ولا يبذل له جهدا ، إلا وهو على رجاء من أن يدفع من وراء ذلك شرّا ، أو يحصّل خيرا. وإلا فهو عابث لاه ، يضيّع عمره ويستهلك جهده ، ويهلك نفسه!.
وتقديم دفع الضرّ على جلب النفع أمر طبيعى ، مركوز فى الفطرة الإنسانية ، حيث يعمل الإنسان أولا على تأمين نفسه ، وحراستها مما يعرّضها للهلاك ، فإذا ضمن الإنسان الإبقاء على وجوده كان له أن يطلب ما يحفظ عليه هذا الوجود .. وهو جلب المنافع .. وفى مقررات الشريعة : «دفع المضارّ مقدم على جلب المصالح».
قوله تعالى : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
مناسبة هذه الآية لما قبلها ، وعطفها عليها ، أنها تكشف عن جناية هؤلاء المشركين على الإنسانية ، وأنهم هم الدّاء الذي تسلط على الإنسانية قديما وحديثا ، فأدخل على كيانها هذا الفساد ، الذي يتمثل من وجودهم فى الجسد الإنسانى ..
فالناس ـ فى أصلهم ـ فطرة سليمة ، مستعدة للتهدّى إلى الإيمان بالله ، والاستقامة على الخير والحق .. كما يقول الرسول الكريم : «ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانه وينصرانه ويمجّسانه».
وكما تعرض العلل للجسم السليم كذلك تعرض الآفات والعلل للمجتمع الإنسانى ، فيظهر فيه المنحرفون الذي يخرجون عن سواء الفطرة ، وسرعان ما يسرى هذا الدواء ، وتنتشر عدواه فى المجتمع ..
ومن هنا يكون الناس على أشكال مختلفة ، وأنماطا شتّى .. كل يركب طريقا ، ويأخذ اتجاها ..