هذا الفاصل ـ طال أو قصر ـ هو إثارة لأشواق القوم إلى هذه القصة التي لم تقصّ بعد ، وتعليق لنفوسهم بها ، حتى تطلع عليهم بهذا الإنسان العجيب الذي مثله كمثل الكلب .. إن تحمل عليه يلهث ، أو تتركه يلهث ..
فمن هو هذا الإنسان يا ترى؟ إنه لا شك واحد من زعماء قريش ، الذين نصبوا لرسول الله ، وكادوا له .. قد يكون أبا لهب ، أو أبا جهل ، أو أبا سفيان أو الوليد بن عتبة ، أو الوليد بن المغيرة .. وهكذا إلى من تضم هذه الجماعة من رءوس ورؤساء ..!
فإذا كانت حادثة الوليد بن المغيرة ، وإذا كان القرآن الذي نزل فيه .. عرفت قريش من رجلها الذي علقت به حبالة محمد ، وربطته مربط الكلب على رءوس الأشهاد .. فتهدأ نفوس ، وتثور نفوس .. على أن الجميع يجدون شيئا من الرضا إذ لم يصبهم هذا الذي أصاب الوليد بن المغيرة ، وجعله حديثا مخزيا يجرى على كل لسان .. وهكذا تأكل قريش بعضها بعضا ، كما تأكل الذئاب ذئبها الجريح!
(ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ).
ذلك تعقيب على هذه القصة ، وربط لرءوس القوم كلّهم إلى هذا الكلب المربوط .. فكلهم مكذّب بآيات الله ، وكلهم هذا الرجل العنيد المكابر المشئوم!
«وساء» فعل ذم ، عكس نعم ، والقوم : هو اللفظ المخصوص بالذم.
(مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
وفى نسبة الهداية إلى الله تشنيع على القوم الضالين ، وكبت لهم ، بطردهم من هذا المقام الكريم ، وأنهم ليسوا أهلا لأن يهديهم الله ، بل هم أهل لهذا الضلال الذي أغرقهم الله فيه.