الله بالعذاب البئيس ، أي المذلّ ، المهين .. فى الدنيا ، ورصد لهم هذا العذاب ليوم القيامة ..
ثم لما استمرأ القوم هذا البغي ، وصاروا يأتونه فى غير تحرّج أو تأثم ـ أخذهم الله بعذاب عاجل فى هذه الدنيا ، مع هذا العذاب الذي أعدّه لهم فى الآخرة : (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) .. فقد ردهم الله إلى عالم الحيوان ، ومسخهم فى طبائع القردة ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (خاسِئِينَ) أي مطرودين إلى الوراء ، مزجورين من هذا الموقف الإنسانى الذي كانوا فيه ، إلى حيث ينزلون إلى عالم القردة .. تقول : خسأت الكلب ، أي زجرته ، فرجع إلى الوراء ..
وفى قوله تعالى : (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً) أمر بخلق جديد لهؤلاء القوم ، (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
فالقوم لم يلبسوا خلقة القردة ، وإنما لبسوا أخلاقها وطباعها ..
وفى ردّة القوم إلى طبائع القردة إشارة إلى النسب الذي بين الإنسان وبين القردة فى سلسلة التطور ، وأن القردة درجة نازله فى الخلق المتطور للإنسان ..
وهكذا يعود القوم إلى الوراء ملايين السنين ، ويكون بينهم وبين عالم الناس هذا الحاجز الزمنى الطويل .. فهم خلق فى طبائع القردة ، وفى أجسام الآدميين .. وهكذا يعيشون فى الناس ، يمثلون حركات القردة وإشاراتها ، حتى ليخيّل لمن يراهم أنهم كائنات مدركة عاقلة ، وما هم فى الواقع إلا قرود تمثل أفعال الآدميين.
قوله تعالى : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ).