ويتقرر هذا الحكم من وجهين :
أولهما : ما نصّ عليه القرآن فى هذه الآية ، وما أسمعه الله تعالى موسى ، وهو يطلب إلى الله أن يكتب له ولقومه فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة .. فإن الله سبحانه وتعالى ما استجاب هذه الدعوة على إطلاقها ، بل استجابها للمتقين الذين يؤمنون بآيات الله التي نزلت على موسى ، وعلى من جاء إلى بنى إسرائيل بعده من أنبياء ، وخاصة عيسى عليهالسلام ، حتى إذا جاء النبي الأمىّ ـ محمد صلوات الله وسلامه عليه ـ لم يكتب لأتباع التوراة والإنجيل حسنة فى الدنيا ولا فى الآخرة حتى يؤمنوا به .. وهذا هو بعض السرّ فى وصل قوله تعالى : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) بقوله سبحانه بعد هذا : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ ...) فالذين يتبعون الرسول النبي الأمى ، بدل من قوله تعالى : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) .. ومعنى هذا أن حكم كتابة الحسنة مشروط بشرطين : يتحقق أحدهما فى عهد موسى ، ومن جاء بعده من أنبياء بنى إسرائيل ، إلى عيسى. والشرط هو تقوى الله والإيمان بآياته التي يحملها رسله. : وهذا الشرط وحده يكفى لتقرير الحكم إلى أن يبعث النبي الأمى ، فإذا بعث هذا النبىّ ، أضيف إلى هذا الشرط الشرط الآخر ، وهو الإيمان بهذا النبي الأمى ، الذي لا يتحقق الشرط الأول ، وهو التقوى والإيمان بآيات الله إلا بالإيمان به ، وبالكتاب الذي معه!
وثانيهما. أن هذين الشرطين قد حملتهما التوراة ، التي هى شريعة أتباع موسى وأتباع عيسى معا ، وأن الإيمان بعد ظهور محمد لا يتم إلا إذا تحقق الشرطان معا ، وإلا إذا آمن اليهود والنصارى بما فى كتابيهما اللذين