مفصلة تفصيلا ، يتناول الكلّيات والجزئيات ، وجزئيات الجزئيات ، بحيث يكون كل شىء فيها واضحا مفهوما لكل إنسان ، أيّا كان حظه من الفهم والإدراك.
وهذا التفصيل الذي جاءت عليه التوراة إنما يكشف عن طبيعة بنى إسرائيل ، وأنهم على شىء غير قليل من بلادة الحسّ وجفاء الطبع ، وسوء الفهم ، بحيث يعاملون كما يعامل الأطفال فى كشف معالم الأشياء لهم ، كشفا لا يحتاجون معه إلى عقل يفكر .. كما أن هذا التفصيل يراد لغاية أخرى ، وهى حصر هؤلاء القوم فى حدود ما ترسم لهم الكلمات من حقائق ، رسما محددا واضحا ، يتناول أدق التفاصيل ، حتى لا يكون لأهواء القوم ونزعاتهم سبيلا إلى التأويل الفاسد لمضامين الكلمات ومحتوياتها ، الأمر الذي لا يعين عليه هذا التفصيل المبيّن لكل شىء .. ومن هنا جاء بنو إسرائيل إلى التوراة بالتحريف ، والمسخ فحذفوا وأضافوا ، وغيروا وبدّلوا ، ليبلغوا بذلك ما لم يكن لهم إليه سبيل بالتأويل والتخريج.
وقوله تعالى : (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) .. الضمير هنا للألواح ، وهى التي كتبت فيها التوراة .. وأخذها بقوة ، هو شدّ العزم على القيام لها ، والعمل بها ، والوفاء بما فيها من أمر ونهى .. فليست الشرائع والأحكام فى نصوصها وعباراتها ، وإنما هى بالعمل بما تحمل هذه النصوص وتلك العبارات ، من شرائع وأحكام ، وبتحويل هذه الشرائع وتلك الأحكام إلى واقع الحياة ، فتكون سلوكا تظهر فى الناس آثاره وشواهده.
وقوله تعالى : (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) أي بأحسن ما فى هذه الألواح ، والمراد بأحسن ما فى الألواح المثل الطيبة للناس ، وهى التي تعرضها التوراة لأهل الإيمان ، والاستقامة والتقوى .. فهؤلاء هم الذين ينبغى