وفي قوله تعالى : (ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) ـ فى هذا ما يسأل عنه ، وهو : ـ لما ذا جاء النظم هكذا : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) ولو جاء من أول الأمر : «وواعدنا موسى أربعين ليلة» لكان ذلك مؤديا المعنى ، مع الإيجاز ، الذي هو أسلوب القرآن الغالب فيه؟.
والجواب : أن الله سبحانه وتعالى ذكر ذلك الموعد في سورة البقرة بقوله تعالى : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (٥١ : البقرة) وسورة البقرة مدنية ، وسورة الأعراف مكية .. أي أن ما ذكر هنا في سورة الأعراف هو الذي نزل به القرآن أولا ، فجاء به مفصلا .. (ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) .. ثم لما جاء ذكر هذا الموعد مرة أخرى جاء مجملا : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) وذلك بإحالة المجمل على المفصّل ..
وإذن فلا بد أن يكون لهذا التفصيل حكمة .. فما هى هذه الحكمة؟.
ونقرأ النصّ القرآنى : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) فنجد أن الثلاثين ليلة لم تكتمل لتكون موعدا تاما حتى أضيفت إليها الليالى العشر ، فتمت حينئذ ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَأَتْمَمْناها).
والإتمام في مقام الفضل والإحسان ، هو زيادة على المطلوب من الفضل والإحسان .. فضلا وكرما .. وهذا يعنى أن موسى ـ عليهالسلام ـ كان على موعد ليكون فى ضيافة ربّه ثلاثين ليلة .. وهذا ما أذن به لموسى في أول الأمر ، فلمّا أنس بألطاف ربّه ، ووصل نفسه بأنوار السماء ، وأضاف وجوده إلى العالم العلوي ـ عزّ عليه أن تنقطع رحلته بعد هذه المدة ، وأن يعود إلى عالم التراب والظلام ، ولكن لمّا لم يكن بدّ من أن يعود إلى قومه ، ويتمم رسالته التي بدأها معهم ، فقد كان من لطف الله به ، ومن تمام نعمته عليه أن مدّ ضيافته عشر ليال أخرى ..! فكانت ضيافته أربعين ليلة.! وكان ذلك من تمام النعمة .. حيث أن هناك نعمة ، وتمام نعمة!