بين الفقراء والأغنياء .. إنهم عاملون ، ولا بدّ لكل عامل من أجر فى مقابل ما يعمل ..
(وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) وهم الذين دخلوا فى الإسلام من زعماء العرب ، ولم تخلص نياتهم له ، ولم تطب نفوسهم به ، إذ نزع الإسلام عنهم ما كان لهم من سلطان فى قومهم ، وسوّى بينهم وبين عامة الناس .. فهم ـ والحال كذلك ـ فى حاجة إلى علاج نفسىّ يزيل ما بينهم وبين الدين الجديد من جفوة .. وفيما كان من تدبير الإسلام فى تألفهم إليه بالمال الذي يخصّهم به دون الناس ـ فى هذا ما يرضى نوازع السلطان والرياسة عندهم ، وذلك من شأنه أن يقيم نظرهم على الدين الجديد ، وأن يتيح لهم الفرصة لمراجعة حسابهم معه ، فإذا كان ذلك استبانت لهم حقيقة الإسلام ، وعرفوا أي دعوة يدعوهم النبىّ إليها ، وأي خير يقدمه إليهم فى ثنايا الدعوة ، التي تحمل إليهم سعادة الدنيا والآخرة جميعا ..
فهذا المال الذي يتألّف به الإسلام تلك الجماعة التي أعماها حبّها للجاه والسلطان عن أن تنظر فى الدعوة الإسلامية ، وأن تستمع إلى كلمة الحق التي يؤذّن بها الرسول الكريم فى الناس ـ هذا المال ليس رشوة يقدّمها الإسلام لتلك الجماعة المتأبية عليه ، المزورّة عنه ، حتى تسكت عنه ، ولا تقف فى سبيله ـ وإنما الذي قصد إليه الإسلام من هذا ، هو أن يروض جماح هذه الجماعة ، ويهدىء من ثائرتها ، ويطفىء من نار حنقها ، وضغنها على الإسلام ، حتى تستطيع أن تنظر إليه ، وتعرض دعوته على العقل ، بعيدا عن دخان الحقد ، وضبابه .. وبهذا يكون حكم هذه الجماعة على الدين الذي يدعون إليه ، حكما صحيحا ، قائما على النظر ، والتعقل ، والتدبر ..
والإسلام لا يريد من الذين يدعوهم إليه أكثر من هذا .. إنهم يريدهم