يحسبون الإيمان كلمة يقولونها ، ولباسا يلبسونه أول النهار ، ثم يخلعونه آخره.
وما أكثر الأيمان التي تجرى على ألسنة المنافقين .. إنها هى الطلاء الذي يطلى به كذبهم ، ويزيّف به نفاقهم ، حتى يروج ، عند من تغرّه ظواهر الأمور ، ولا يستشف ما وراءها ..
وقد ردّ الله عليهم بأنهم ليسوا من المؤمنين .. لأن المؤمنين لا يخافون أبدا ، لما فى قلوبهم من إيمان بالله ، وثقة بما عنده ، واطمئنان لما يقضى به فيهم .. فإن أصابهم خير لم يطيروا به فرحا ، وإن أصابهم بلاء لم يجزعوا له فرقا وخوفا .. الموت والحياة عندهم سواء ، والغنى والفقر لديهم أشباه ، والسّرّاء والضّراء عدلان .. كل من عند الله ..
أما أهل الكفر والنفاق ، والزيغ والضلال ، فهم على خوف دائم ، وهمّ مقيم .. وفى هذا يقول الله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً* إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ* وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ* وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ* وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) (١٩ ـ ٢٧ : المعارج)
فالفرق ، وهو الخوف والجزع الذي يعيش فى كيان الكافرين والمنافقين ، المكذبين بيوم الدين ، هو داء عافى الله المؤمنين منه .. إذ كان إيمانهم بالله سكنا لقلوبهم ، وأنسا لأنفسهم ، وزادا طيبا يتزودون منه لكل نازلة تنزل بهم ، وكلّ حدث يقع لهم ..
فانظر كيف فرق الإيمان بين الناس ، فى مدركاتهم ومشاعرهم وتصوراتهم ، وإن جمعتهم لحمة القرابة والنسب .. فهؤلاء غير أولئك .. فمن كان على الإيمان لا يدخل قلبه همّ أو جزع ، ومن كان على غير الإيمان فهو فى همّ وكرب وجزع ..