مقدّما ، حتى لا يقع تحت مشاعر الألم لحظة واحدة ، إذا هو تلقّى اللّوم ، ثم جاءه العفو : على هذا النحو : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ؟) .. عفا الله عنك!!».
وفى قوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) إشارة إلى أن أمر الكذب مفضوح ، وأن الزّمن لا بد أن يكشف عن وجهه يوما ما .. فلو انتظر النبىّ بهؤلاء الذين جاءوا بأعذارهم إليه ، ولم يقبل هذه الأعذار فى حينها ، لانكشف له أمر ذوى الأعذار الكاذبة منهم ، إمّا بما يظهر من حالهم ، أو بما يكشف له أصحابه من أمرهم ، أو بما ينزل عليه من قرآن يفضحهم.
وقوله تعالى : (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ* إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) ـ هو بيان يفرّق به بين الصّادقين والكاذبين من ذوى الأعذار ..
فالذين يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا صادقا لا يطلبون الإذن لأنفسهم بالتخلف عن القتال .. ذلك أنهم ـ مع الأعذار القائمة معهم ـ لا يجعلون من تلك الأعذار حاجزا يحجزهم عن أخذ حظّهم من الجهاد فى سبيل الله ، فإذا دعا الداعي إلى الجهاد كانوا فى مقدمة المستجيبين له. حتى إذا نطقت حالهم عن أنّهم ـ بهذه الأعذار التي معهم ، من مرض ، أو صغر ، أو شيخوخة ، أو نحو هذا ـ لن يمكّنوا من الانتظام فى صفوف المجاهدين ، رحمة بهم ، وتخفيفا من مئونتهم على المسلمين ، كان ذلك مما يحزنهم ، ويبعث الحسرة والأسى فى نفوسهم. وهذا