يد صاحب الرسالة ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لم يخرج عن هذا الخط الذي حدّد مسيرتها قوله تعالى لنبيّه الكريم : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١٢٥ : النحل) وقوله سبحانه : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٤٦ : العنكبوت) .. وقوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (١٩٨ : الأعراف).
وهذه الآيات ، وأمثالها من الآيات المحكمات ، التي قامت على أساسها صلات المسلمين فيما بينهم وبين المجتمعات الإنسانية التي لم تدخل فى الإسلام ، سواء ما كان منها فى ذمة المسلمين ، أو كان فى دار الحرب ، أو خارج هذه الدار.
وكيف يكون من مفاهيم الإسلام أن يكون حربا على الناس من غير أن يبدءوا أتباعه بحرب؟ ألا يكون هذا عدوانا مما نهى الله عنه ، فى أكثر من آية من آيات الكتاب الكريم؟ وبأى تأويل يتأول القائلون بالحرب العامة على المجتمع الإنسانى ، قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)؟ (١٩٠ : البقرة).
إنه لا تأويل ، ولكن القول بالنسخ ، وإبطال حكم هذه الآية وغيرها ، هو الحجة القاطعة عند القائلين بالحرب العامة الشاملة على كل من لا يدخل فى الإسلام!! ومع هذا فإن القول بنسخ الآيات التي تعارض آية السيف ، أو آيات السيف ـ كما يسميها أصحاب هذا الرأى ـ ينقضه قوله تعالى. (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) .. فإن قبول الجزية ممن تقبل منهم الجزية بعد أن ينزلوا على حكم السيف ـ لا يجعل منهم مسلمين ، بل هم مشركون أو كافرون ، ولا تزال آيات السيف مسلطة عليهم .. فهل من أجل هذه الجزية ، التي يحتفظ معها غير المسلم بدينه ـ تنسخ عشرات الآيات الداعية إلى السلام والموادعة ، لتفسح المجال للسيف وآية السيف أو آيات السيف؟ ذلك لا معقول له!