إن الله قد ملأ صدره نورا ، فإذا التوراة محفوظة فى قلبه ، تجرى كلماتها على لسانه!
ثم جمع أحبارهم ، وأملى عليهم التوراة ، من حفظه ...!
وحدث بعد هذا أن عثروا على التوراة الضائعة ، فقارنوا بها ما أملاه عليهم «عزرا» فإذا هى هى ، لم ينخرم منها حرف ، ولم تسقط منها كلمة ..! فكان عندهم «عزرا» كائنا علويا سماويا ، لهذا العمل العظيم الذي جاءهم به .. فرفعوا نسبه إلى الله ، وجعلوه ابنا له!!
والنصارى ، قالوا فى المسيح عيسى بن مريم كما قالت اليهود فى «عزير» .. قالوا : (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ).
وشبهتهم فى هذا ، هى أن المسيح قد ولد من رحم امرأة ، دون أن تتصل برجل .. وجهلوا أن هذا الميلاد وإن كان عجيبا ، خارجا على مألوف الحياة ، وغير مطّرد مع السنن المألوفة لنا ، فإنه ليس خارجا عن قدرة الله ، التي لا يعجزها شىء ، ولا يقيّدها قيد من عادة أو مألوف ، بل هى قادرة قدرة مطلقة ، بلا حدود ولا قيود : (اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ).
وفى قوله تعالى : (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) توكيد لما يقولونه ، من نسبة الابن إلى الله سبحانه وتعالى ، وأنه قول لم يحكه أحد عنهم ، أو ينطق به شاهد الحال عليهم ، وإنما هو قول قالوه بأفواههم ، لا يستطيعون دفعه ، أو إنكاره ، إذ كان ذلك مما نطقت به ألسنتهم ، وسمعته آذانهم ، فكيف السبيل إلى التنصّل منه؟ وكيف السبيل إلى جحده ، وهم لا يزالون يرددونه بأفواههم؟
ويمكن أن يحمل قوله تعالى : (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) على معنى آخر ، وهو أن قولهم هذا مجرد كلام ، يلقى على عواهنه ، من غير أن يحتكم فيه إلى عقل أو منطق .. إنه كلام .. لا أكثر! ليس بينه وبين الحق نسب!