الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) وهو العام التاسع من الهجرة ، الذي شاء الله سبحانه لرسوله الكريم ألا يحج هذا العام الذي حج فيه المشركون ، ثم حج حجّة الوداع فى العام الثاني ، وقد طهر البيت من هذا الرجس.
فالمشركون بما فى قلوبهم من كفر ، ليسوا أهلا لأن يدخلوا بيوت الله ويعمروها .. إذ كيف يكفرون بالله ، ثم يعمرون مساجده؟
وقوله تعالى : (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) هو حال من أحوالهم التي يدخلون بها المساجد ، وهى أنهم يدخلونها وهم كافرون بالله ..
وشهادتهم على أنفسهم ينطق بها حالهم وأفعالهم ، وإن لم تنطق بها ألسنتهم ، فهم يدخلون بيت الله ، ثم يسجدون فيه لغير الله ، مما يعبدون من أوثان وأصنام .. وهذا العمل منهم أبلغ شهادة عليهم بالكفر والضلال .. (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي بطل كل عمل لهم ، وانقلب شرّا ووبالا عليهم (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) فتلك هى ثمرة ما كانوا يعملون .. النار ، والخلود فى النار ..
قوله تعالى : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)
تلك هى حقيقة الذين يعمرون مساجد الله ، وهذه هى صفاتهم التي تؤهلهم لأن يكونوا من أهلها وعمّارها .. أن يكونوا مؤمنين بالله واليوم الآخر ، وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، وألا يكون فى قلوبهم خوف إلا من الله ، ولا رجاء إلا فيه ، ولا متعلّق إلّا به .. فهؤلاء فى معرض الهداية والتوفيق ، وعلى طريق الاستقامة والتقوى. بهم تعمر بيوت الله ، يذكر الله فيها ، ذكرا خالصا من لزيغ ، مبرأ من الشرك ..