يأخذوكم بالبأساء والضرّاء؟ ... فهم ـ والحال كذلك ـ لا يمسكون معكم بعهد إلا ربّما تمكنهم الفرصة فيكم ، وإذن فاحذروهم ، وكونوا منهم دائما على توقع الغدر بالعهد ، والتحفز للوثوب عليكم.
وفى قوله تعالى : (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ). هو كشف للمؤمنين عمّا فى نفوس المشركين من عداوة وبغضاء لهم ، وأنهم إذا ألانوا الكلام مع المؤمنين ، وأسمعوهم طيّب الكلم ومعسول القول ، فإن ما فى صدورهم على خلاف هذا .. (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) أي خارجون عن الطبيعة السليمة للإنسان السليم. ومع هذا فإن قليلا منهم فبه بقيّة من خير ، يمكن أن تكون طريقا هاديا له إلى الحق ، والإيمان ، إذا هو عرف كيف ينتفع بها ، ولم يذهب بها ، مذهب الضياع والفساد ..
وقوله تعالى : (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
إشارة إلى أن هؤلاء الكافرين رغبوا عن آيات الله ، وأعرضوا عن الهدى الذي تحمله إلى من يتصل بها ، ورضوا بما هم فيه من حياة لاهية هازلة .. (يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) .. لقد صدّوا عن سبيل الله ، فساء عملهم ، وضل سعيهم ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وليس فى الأمر بيع ولا شراء .. ولكن لما كانت آيات الله فى معرض النظر لكل إنسان ، وكان من شأن هؤلاء المشركين أن يؤمنوا بها ، وأن يجعلوها بضاعتهم التي يتعاملون بها ، وزادهم الذي ينزودون منه ، فهم ـ والأمر كذلك ـ فى حكم من أخذوا آيات الله ، وإذ لم ينتفعوا بها ، ولم يأخذوا بحظهم منها ، فكأنهم باعوها واشتروا بها هذه الحياة التي يحيونها ، وهذا المتاع القليل