الأرض ، ولا التسلط على أعداد كثيرة من الناس ، شأن الغزاة والفاتحين ، فمثل هذا لا يقيم فى القلوب دينا ، ولا يثبت فى الأرض عقيدة .. وإنما الذي يهمّ الإسلام أولا وأخيرا ، هو أن يجد العقول التي تتقبّل دعوته ، والنفوس التي تستجيب لها ، والقلوب التي تعمر بها .. ولا عليه بعد هذا أن يقلّ أتباعه أو يكثروا ، وأن تتسع دولته أو تضيق .. إذ ليست دعوة الإسلام لحساب فرد أو جماعة ، وإنما هى خير ممدود للناس ، فمن طعم منه ، واستطابه ، فذلك له ، ومن أعرض عنه وتحاشى الأخذ منه فليس لأحد عليه سلطان : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) ..
وفى قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) إشارة داعية إلى الرفق بهؤلاء المشركين الذين جاءوا ليعرضوا الإسلام على عقولهم ، فهم على جهل وجفاء ، وفى ظلام جاهلية طال عليهم الأمد فيها .. وإذ كان هذا شأنهم ، فإن من شأن من يتولّى الاستشفاء لهم من دائهم ، أن يترفق بهم ، حين يراهم يعشون عن النور ، ويعمون على الهدى ..
وفى قوله تعالى : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).
هو عرض للوجه العام للمشركين ، بعد هذا العرض لأفراد منهم ، استجابوا للرسول ، واستأمنوه ، ليروا ما بين يديه من الدين الذي يدعوا إليه.
وفى هذا العرض ينكشف ما عليه المشركون عامة ، من غدر وخيانة ، وتربّص بالمسلمين .. فهؤلاء لا عهد لهم ولا ذمة ، عند المسلمين .. باستثناء أولئك الذين أمضى المسلمون عهودهم معهم إلى المدة المتفق عليها فيما بينهم وبين هؤلاء الجماعات من المشركين ، وهم الذين استثناهم الله سبحانه وتعالى فى قوله سبحانه :