لما ذا لم يعهد الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، إلى أبى بكر وهو أمير الحج ، أن يؤدى هذه المهمة؟
والجواب على هذا : أن ما كان بين المسلمين والمشركين من عهود ، إنما كانت معقودة باسم الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، باعتباره ممثلا للمسلمين ، وهو بهذا الاعتبار لم يكن عند المشركين أكثر من رئيس قبيلة ، وليس لصفة النبوة حساب عندهم فى هذا الأمر ، إذ لم يكونوا معترفين بنبوته ، وإلّا لآمنوا به ..
ومن هنا لم يكن ـ من وجهة نظر المشركين ـ من المقبول أن يتولّي نقض هذه العهود ونبذها إلى أصحابها إلا المتعاقد معهم عليها ، أو من يمثله من عصبته ، وذوى قرابته الأدنين ، وذلك أن أهل البيت ، أو القبيلة يحملون معا تبعات الالتزامات التي بينهم وبين غيرهم ، وأنه إذا جنى أحدهم جناية كانت تبعتها على الجماعة كلّها ..
ومن أجل هذا ، فإن النبىّ صلىاللهعليهوسلم حين تلقى من ربّه الأمر بنبذ العهود إلى المشركين ، قال : «لا يبلّغ عنى إلّا أنا أو رجل من بيتي» .. فجعل ذلك إلى ابن عمّه علىّ بن أبى طالب .. وإن كان المسلمون جميعا ـ على اختلاف بيوتهم وقبائلهم ـ أهلا لأن يؤدوا هذه المهمة ، ولكن عند من يعترف بنبوة النبىّ ، ويعترف بالمسلمين كوحدة تدين بدين ، وتجتمع على شريعة .. ولكن المشركين كانوا يتعاملون مع النبىّ كواحد من بنى هاشم ، ولا ينظرون كثيرا إلى من استجاب له وتبعه من المسلمين .. ولهذا ، فإنه حين يئست قريش من أن تمسك النبىّ عن القيام .. برسالته ، عمدت إلى مقاطعة بنى هاشم ، وفرض الحصار الاقتصادى والاجتماعى عليهم ، فلا يزوجونهم ولا يتزوجون منهم ، ولا يتعاملون معهم ، أخذا أو إعطاء ، وقد وقع بنو هاشم جميعا ـ مؤمنهم ومشركهم ـ تحت