هو أراد السلم ، فرد جناح السّلم ، فدفع به إلى جانب السلام والموادعة ، وإن هو أراد الحرب ، فرد جناح الحرب فألقى به فى ميدان القتال وساحة الدماء ..
فهذا هو بعض سرّ التعبير القرآنى عن دعوة السلام ، بالجنوح (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ) .. ذلك أنهم كانوا بين داعيين ، داع يدعو إلى الحرب ، وداع آخر يدعو إلى السلم ، ثم رجح فيهم الداعي الذي يدعو إلى السلام ، وفى هذا إغراء وتحريض على قبول تلك الدعوة التي تدعو إلى السّلم ، فهى وجه جميل طيب ، فى مقابل الوجه الكريه الذميم ، وجه الحرب ..
قوله تعالى : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) تحريض آخر للنبى بقبول الدعوة إلى السّلم ، إذ كان فى حراسة ، من توكله على الله واعتماده عليه.
قوله تعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)
هو تحريض ثالث للنبىّ على الاستجابة إلى دعوة السّلم التي يعرضها عليه الأعداء ، وألا يردّه عن قبول تلك الدعوة ما يكون عند القوم من نيّة للغدر ، فالله سبحانه وتعالى سيكفى النبىّ والمسلمين سوء ما يفعلون .. ذلك أن هؤلاء الأعداء قد خانوا وغدروا ، فتعرضوا لسخط الله وغضبه ، فوق ما أخذهم الله به من سخط وغضب لكفرهم وشركهم بالله.
أما النبىّ والمؤمنون ، فقد اتقوا الله ، ووفوا بالعهد الذي دعاهم الله إلى الوفاء به ، فكان سبحانه وتعالى معهم ، يؤيدهم ، وينصرهم على عدوهم .. (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) أي يكفى أن يكون الله معك ، يؤيدك ، وينصرك .. (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) .. فلقد نصرك الله من قبل ، وردّ عنك بأس القوم الظالمين ، فلم تغنهم كثرتهم من الله شيئا .. وقد نصرك الله كذلك