وفى قوله تعالى : (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) الضمير فى «به» يعود إلى رباط الخيل ، وأنه مصدر رهبة للعدوّ. إذا كان هذا الرباط من الكثرة والإعداد على صورة يهابها العدوّ ويعمل حسابها .. وهذا يعنى استعراض تلك القوة المعدّة من الخيل وفرسان الخيل ، وإظهارها بحيث يراها العدوّ ، ويرى فيها ما يرهبه ، ويقتل فى نفسه كل داعية من دواعى الطمع فى المسلمين ، وفى لقائهم على ميدان القتال .. وهذا يعنى أيضا أن يكون هذا الرباط على صورة محقّقة لإلقاء الرعب والفزع فى نفس العدوّ ، وإلا كان ستر هذا الرباط وإخفائه أولى وأحكم من إظهاره.
وهذا يعنى كذلك أن الإعداد للحرب ليس لإشباع شهوة الحرب ، وإنما هو لإرهاب العدوّ أولا ، حتى ينزجر ، ولا تحدّثه نفسه بالحرب حين يرى القوّة الراصدة له. ومن هنا يرى أن الإسلام دين سلام ، يعدّ للحرب ، حتى تجتمع له القوة الممكنة له من النصر والغلب ، ولكنه لا يبدأ الحرب ، ولا يسعى إليها ، وإنما يجىء إليها مكرها ، ويدخل فيها مدافعا ، لا مهاجما!!
وفى قوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ) إشارة وتنبيه للمسلمين إلى ألّا يكون حسابهم فى إعداد القوة مقصورا على هذا العدوّ الظاهر لهم ، ومقدورا بقدره ، بل يجب أن يعملوا فى تقديرهم حسابا لأعداء آخرين ، لم يظهروا لهم ، ولم يواجهوهم بعداوة أو قتال ..
وهذا يعنى أن يبذل المسلمون كثيرا لإعداد هذه القوة التي يحاربون بها أعداءهم الذين يرونهم ، والتي يرصدونها للعدوّ الخفىّ الذي لم يظهر لهم بعد ..
ولهذا جاء قوله تعالى بعد ذلك : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) ـ جاء داعيا إلى البذل والإنفاق فى سبيل