فكانوا تبعا لأهواء سادتهم ، لا يقوم فى كيان أحدهم شعور بمبدأ يقاتل عليه ، وينتصر له ..
أما قوله تعالى : (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) فذلك هو الجرم الذي اشترك فيه القوم جميعا ، رؤساء ومرءوسين .. فكانوا جميعا جيشا مقاتلا للدعوة الإسلامية ، وحصرها فى أضيق الحدود .. أما البطر ، ومراءاة الناس فكان لونا اصطبغ به بعضهم دون بعض ، وغاية عمل لها أناس دون آخرين .. ولهذا اختلف النظم ، لأن البطر والرياء شأنهم دائما فعبّر عنهما القرآن بالمصدر ، الذي يفيد الثبوت والاستمرار ، وأما الصدّ عن سبيل الله ، فهو أمر جدّ عليهم بعد ظهور النبىّ فعبّر عنه بالفعل ، الذي يفيد الحدوث والتجدد : (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).
وقوله تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ).
الآية معطوفة على قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) أي لا تكونوا كهؤلاء القوم الذين خرجوا على تلك الصفة ، ولهذا الوجه ، ولا تكونوا كهؤلاء على تلك الحال التي خرجوا فيها وقد زين لهم الشيطان أعمالهم .. فهؤلاء إنما خرجوا متّبعين أهواءهم ، منقادين للشيطان الذي دعاهم ، فاستجابوا له ، وأعطوه زمامهم ، بعد أن ملأ صدورهم أملا كاذبا ، بأنهم قوة لا تغلب ، بما هم عليه من عدد وعدة! فكيف إذا كان هو جارا لهم ، وسندا وظهيرا فى ميدان القتال معهم؟
(فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ) أي التقت الفئتان ، ورأى بعضهم بعضا ، والفئتان هما : المسلمون ، والمشركون .. (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) أي رجع