يدعى إليه ، ليزنه بميزان الحق والخير ، حتى ولو كان هذا الأمر واردا من جهة لا يرد منها إلا الحق المشرق ، والخير الخالص.
فذلك لا يحول بين العقل وبين أن يتفحص الأمر ، ويقلّبه على وجوهه ، ليعرف مدى الخير الذي يحصله ، إذا هو أخذ بهذا الأمر ، وجعله معتقدا ، له ، يعمل فى ظله ، ويسير على هواه .. فهذا من شأنه أن يجعل لهذا الأمر سلطانا متمكنا فى كيان الإنسان إذ أقامه بيده ، ومكّن له بإرادته ، ونزل على حكمه طائعا مختارا ، يرجو منه الخير ، ويتوقع السلامة والعافية.
ومن أجل هذا كان الإيمان الذي آمن عليه المسلمون الأولون ، إيمانا راسخا متمكنا ، جعل منهم أوتاد هذا الدين ، وعمده ، التي قام عليها صرحه ، وامتدّت عليها ظلال دوحته.
وهذا يعنى احترام العقل الإنسانى ، وإعطاءه الحق فى البحث والنظر حتى فيما يصدر إليه من أحكم الحاكمين ، رب العالمين .. وليس بعد هذا عذر لإنسان يمتهن إنسانيته ، ويبيع عقله ، ويسلم مقوده لكل داع يدعوه ، من غير أن يعمل فيه نظره ، ويوجه إليه عقله ، كما هو حال أولئك المشركين الذين لا يبصرون إلى ما يدعوهم إليه شياطينهم ، أو تمليه عليهم أهواؤهم ، وإن كان فيه هلاكهم.
وثانى هذين الأمرين : أن ما تحمله أوامر الشريعة وأحكامها هو الخير المطلق الذي لا يزداد على البحث والنظر إلا وضوحا وألقا.
فمن المطلوب إذن أن تتعلق الأنظار بهذه الأوامر وتلك الأحكام ، وأن تتحكك بها العقول ، وتتردد عليها الأفهام ، حتى تتعرف إلى أسرارها ، وتنشق العبير الطيب من أريجها ، وبهذا تعرف قدرها ، فيشتدّ حرصها عليها ، وتمسكها