ويقول سبحانه : (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) (٢٦ : الأحقاف)
وقوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) .. أي أن هؤلاء المشركين ممن ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ، وجعل على أبصارهم غشاوة .. هكذا خلقهم الله ، لا يقبلون خيرا ، ولا يهتدون إلى خير .. (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) أي لو علم سبحانه أنهم يتقبلون الخير وينتفعون به ، ويستقيمون عليه ، لفتح أسماعهم إلى كلمات الله ، ولأمسك آذانهم الشاردة على مورد هذه الكلمات .. ولكنهم لا ينتفعون بشىء مما يسمعون من كلمات الله التي تتلى عليهم ، إذ كانت تلك الكلمات لا تعرف طريقها إلى مواطن الوعى والإدراك من قلوبهم وعقولهم ، بل ترتدّ عنها كما يرتد مسيل الماء يصطدم بسد منيع .. (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) أي لو سمعوا كلمات الله ، ونفذت إلى آذانهم ، لما استقبلوها إلّا بالجد فى مجانبتها ، والتولي عنها والفرار من بين يديها .. فهم لا يلتقون بها إلا وهم معرضون عنها ، فإذا صافحت آذانهم نفروا وتولوا معرضين .. وفى هذا يقول الله تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ* كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ* فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) (١) (٤٩ ـ ٥١ : المدثر).
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ـ هو نداء بعد نداء للمؤمنين ، أن يقبلوا على الله ، ويستجيبوا لله ولرسوله ، وقد رأوا
__________________
(١) الحمر المستنفرة : المذعورة ، الفزعة. والقسورة ، الأسد ..