وإذا كان الله سبحانه هو الذي مكّن للمسلمين من عدوهم ، ومنحهم هذا النصر ، فما ذلك إلا (لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) حيث أعطاهم أجر هذا العمل العظيم ، الذي هو فى حقيقة الأمر لم يكن لهم يد فيه ، فلو جرت الأمور على ظاهرها لكانت الدائرة عليهم ، ولكان القتل والبلاء فيهم .. فليذكروا هذا ، وليتزودوا منه يزاد الإيمان بالله ، وعقد العزم على الجهاد فى سبيله .. (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٤٠ : الحج).
وفى وصف البلاء بأنه حسن إشارة إلى الوجه الآخر من وجوه الابتلاء وأنه قد يكون غير حسن كما يقول الله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (٣٥ : الأنبياء).
فقد عافى الله المؤمنين من أن يبلوا بالقتل ، وأن يمتحنوا بالأسر ، فذلك مما يبتلى الله به المؤمنين ، ويجزيهم عليه .. ولكن رحمة الله بالمؤمنين فى هذا الموقف الذي يلقون فيه الشرك لأول مرة ، وينتصرون فيه لأنفسهم ـ جعلت الابتلاء بالخير دون الشر ، وبالعافية دون البلاء .. فظفروا وانتصروا ، وسلموا ، وغنموا .. ورجعوا بالحسنيين جميعا .. المغانم فى الدنيا ، والجنة ونعيمها فى الآخرة.
وقوله تعالى : (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ).
الإشارة هنا إلى ما لله سبحانه وتعالى من رعاية لأوليائه ، وتمكين لهم من أعدائهم .. فأولياؤه ، المجاهدون فى سبيله ، هم أبدا محفوفون بنصره وتأييده ، وأن ما يكيده الكافرون لهم لا يصل إليهم ، إلا واهيا ، ضعيفا ، متخاذلا ..
وقوله سبحانه :
(إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ).