وهكذا يصنع الله
للإسلام ، فيقيم وجه أنصاره على أمره وحده ، لا يلتفتون معه إلى شىء آخر غيره .. فمن
كان على نيّة الإيمان بالله والجهاد فى سبيله ، فهذه هى سبيله : أن يصرف وجهه عن
الدنيا ، وأن يوطّن نفسه على الجهاد خالصا لله ، لا يبغى به إلّا وجه الله ، ولا
يطلب إلا مثوبته ورضوانه ..
ففى قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ
بِالْحَقِّ) إلفات للمسلمين الذين كسبوا المعركة ، وحازوا ما كان مع
قريش من سلاح ، ومتاع ثم صرفهم الله عن هذا السلاح والمتاع ـ إلفات لهم إلى تلك
الحال التي كانوا عليها ، بعد أن صرف الله عنهم العير ، وجعلهم وجها لوجه مع
العدوّ فى ميدان القتال .. فهذه من تلك ، سواء بسواء ..
والبيت الذي خرج
منه النبىّ هنا ، هو المدينة .. فهى بيته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ الذي يأوى
إليه ، ويقرّ فيه.
وخروجه ـ صلوات
الله وسلامه عليه ـ بالحق ، أي للحقّ ، ومن أجل الدفاع عن قضيّة الحق .. وليست
قضية الحق هى هذا المتاع الذي كانت تحمله العير ، ولا هذه الأنفال التي خلصت لأيدى
المسلمين ، وإنما قضية الحق هى إعلاء كلمة الله ، وإزاحة العقبات التي تقف فى وجه
الدعوة إلى الله ، بمحاربة أولئك الذين يحاربون الله ، ويصدّون الناس عن سبيله.
والحقّ دائما ثقيل
الوطأة على الناس ، إلّا من رزقهم الله الإيمان الوثيق ، والعزم القوىّ ، وأمدّهم
بأمداد لا تنفد من الصبر على المكاره ، والقدرة على احتمال الشدائد .. إذ الحق ـ فى
حقيقته ـ مغالبة لأهواء النفس ، وتصدّ لنزعاتها ، وإيثار للآخرة على الدنيا ، وذلك
من شأنه أن يجعل الإنسان فى حرب متصلة مع نفسه ، حتى إذا أقامها على الحق ، وأسلم
زمامها له ، كان عليه