وليس الإجماع فى صميمه إلا ما رضيه أهل الحلّ والعقد من عقلاء الأمة ، وأهل الرأى والنظر فيها ، وذلك فيما جدّ من أمور لم يكن للشريعة رأى فيه.
وهذا من الإسلام ، اعتراف بالجماعة الإنسانية ، وبحقّها فى المشاركة فى وضع دستور حياتها ، الذي رسمت لها الشريعة حدوده ..
وفرق كبير بين اعتراف الشريعة الإسلامية بالإجماع ، وبين ما تعترف به الديانات الأخرى من سيادة الرئيس الديني لها وحقه فى التشريع .. حيث يقوم الإجماع فى الشريعة الإسلامية على الشورى ، التي تعطى كل إنسان حقّه فى إبداء رأيه ، وفى قبول ما يقبل ، ورفض ما يرفض ، على حين تقوم سيادة الرئيس الديني على الاستبداد بالرأى وحده ، دون أن يكون لأحد معه حق المراجعة أو المعارضة!!
وثالثهما : قوله تعالى : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).
وهو من تمام هذا الأدب الربّاني ، الذي أدّب الله سبحانه به نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وجعله ملاك أمره فى سياسة الناس ، وفى وصل المجتمع الإنسانىّ برسالة الإسلام ..
فالإعراض عن السفهاء والجاهلين ، تأديب حكيم لهم ، وقطع لحبال الملاحاة واللّجاج معهم ، وفلّ لأسلحتهم التي لا تحسن العمل إلا فى ميدان السفاهة والجهل .. إذ أنه ليس أرضى لنفوس السفهاء ، ولا أهنأ لقلوبهم من أن يجدوا من يمدّ لهم فى حبال السفاهة والجهل ، حين يلقى سفاهتهم بسفاهة وجهلهم بجهل .. إنها حينئذ فرصتهم التي تظهر فيها ملكاتهم ، وتشحذ بها أسلحتهم ، فى هذا الميدان ، الذي يصولون فيه ويجولون.
ثم إن فى إعراض النبىّ عن السفهاء والجاهلين ـ فوق أنه حماية له ، وحراسة لمقامه الكريم من أن يصيبه رذاذ من هذا الشر المتطاير ـ إطلاقا للنبى بكل قوته للعمل فى آفاق أكرم وأولى بهذا الخير الذي فى يديه ، حيث