رسول يبلغ ما أمره به ربّه ، وقد بلّغ رسالة ربّه ، كما أمره بها : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) .. فالمسيح عبد لله ، كما أنهم عبيد له .. ومن كان عبدا لله فليس له إلى الألوهية سبيل.
وقوله : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) هو توكيد لبراءة عيسى مما تقوّله عليه أتباعه ، وأنه كان عليهم شهيدا مدّة وجوده معهم ، يقوّم انحرافهم ، ويصحح معتقدهم ، فلما قبضه الله إليه ، انقطع اتصاله بهم ، وبما أحدثوا بعده من هذه المعتقدات الفاسدة فيه ، وفى أمّه .. وأنه إذا كان المسيح لم يعلم شيئا مما أحدثوا من بعده ، فذلك ما لا يغيب عن علم الله ، فقد علمه الله منهم ، وأحصاه عليهم ، وهاهم أولاء بين يديه يلقون جزاء ما صنعوا ..
والشهيد : من يرى ما يقع فى محيط حواسه .. مما يدانيه ويختلط به ..
والرقيب : من يرى من مكان عال ، وهو المرقب ، حيث ينكشف له ما لا ينكشف لغيره ..
ولهذا كان التعبير فى جانب المسيح ، بالشهيد ، والتعبير فى جانب الله ، بالرقيب .. وهذا تمثيل ، ولله سبحانه وتعالى المثل الأعلى.
ثم كان من تمام هذا التمثيل قوله : (وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي تطلع على كل شىء قريب وبعيد ، ظاهر وخفى ، اطلاع شهادة وحضور.
وقوله : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) هو تفويض لله سبحانه وتعالى للقضاء فى أمر هؤلاء ، الذين حملوا أوزارهم على ظهورهم ، وأحاطت بهم خطيئتهم ..
فإلى الله سبحانه وتعالى أمرهم ، لا شفاعة لأحد فيهم.