فهذه الأشياء قد عفا الله عنها ، فلا يؤاخذهم عليها ، وإن كانوا قد فعلوها وهم مسلمون ، إذ لم يكن قد جاء حكم الشريعة فيها ..
وفى قوله تعالى : (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) إشارة إلى أنّ فى مغفرته ما يسع هذه المنكرات التي أتاها المسلمون ، وهم مسلمون ، ووجدوا فى أنفسهم حرجا منها ، وضيقا بها ، وإن كانوا لم يتلقوا حكم ـ الله فيها ..
فهذه مغفرة الله تدفع عنهم هذا الحرج ، وتذهب بما فى صدورهم من ضيق .. وهذا حلم الله يأخذهم بالأناة واللطف ، فيما يشرّع لهم من أحكام .. إنه ـ سبحانه ـ يقبلهم مسلمين بما كانوا عليه ، وبما فعلوه مما لم ينههم عنه من قبل .. فليرفقوا بأنفسهم ، ولا يعجلوا بالسؤال عن حلّ هذا الشيء أو حرمته ، حتى يأتيهم أمر الله فيه ..
وقوله تعالى : (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ).
الضمير فى «سألها» يعود إلى تلك الأشياء التي لم تقل الشريعة قولا فيها ، بحلّ أو حرمة.
والقوم هنا ، هم بنو إسرائيل ..
والمعنى أن بنى إسرائيل سألوا رسلهم عن كثير من أمور لم يأتهم الرسل بحكم الله فيها ، فلما جاءهم الحكم فيما سألوا عنه ، كفروا به ، ولم يمتثلوا حكم الله فيه.
وما كان أغناهم عن أن يسكتوا .. ولكن القوم بما ركّب فيهم من لجاج وعناد وخلاف ، لا يدعون لرسول من رسل الله فيهم ، سبيلا ، إلا أخذوه عليه ، يسألون ويلحفون فى السؤال ، فى كل صغير وكبير ، وقريب وبعيد!
ثم ما كان أولاهم إذا لم يسكتوا أن يتقبلوا جواب ما سألوه عنه ، وأن ينزلوا على مقرراته ، ويقفوا عند حدوده .. ولكنهم لم يسألوا ليهتدوا من ضلال ، وليبصروا من عمى ، ولكن كانت أسئلتهم مماراة ، ومماحكة ، وإعناتا!