لم يقم فى كيانه شعور بمراقبة الله ، أو التوقي من العدوان على حرماته ، والتعدي على حدوده ..
فهذه الحرمات التي نصبها الله لأعين المؤمنين هى تدريب لهم على التعرف على الله ، حيث ينتهى بهم الوقوف إزاءها ، وتحريم حرماتها إلى العلم بالله ، وأنه سبحانه يعلم ما فى السموات وما فى الأرض ، وأنه بكل شىء عليم ..
وإذن فليس ثمرة هذه الحرمات فيما يجنى منها من إشاعة الأمن والطمأنينة بين الناس ، بل إنها ـ مع هذا ـ تفتح فى قلب المؤمن طريقا إلى الله ، يشهد منه سعة علمه ، ونفوذ سلطانه ، إلى ما تكن الضمائر ، وما تخفى الصدور.
وقوله : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) هو تعقيب على هذا الحظر الذي أقامه الله تعالى على حرماته ، وحذّر الناس من العدوان عليها .. فهناك عقاب شديد راصد لمن اعتدى على حرمات الله .. وهناك غفران ورحمة لمن تاب ورجع إلى الله من قريب ، واستغفر لذنبه ، وندم على ما فرط منه.
وقدّم عقاب الله هنا على مغفرته ، لأن ذلك فى مواجهة حدود أقامها الله ، وحذّر من مجاوزتها والاعتداء عليها ، فناسب ذلك أن يجىء العقاب أولا لمن اعتدى على هذه الحدود ، ثم تجىء الرحمة والمغفرة لمن أثم وأذنب ثم تاب واستغفر ..
وقوله تعالى : (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) هو تنبيه للناس إلى أنه لا سلطان لأحد عليهم فيما يأتون من طاعات ، أو يرتكبون من آثام ، إلا أنفسهم ، وما فى قلوبهم من إيمان ، وما فى كيانهم من عزائم .. إذ ليس مع أوامر الله ونواهيه قوى مادية تقهر الناس على امتثال الأوامر واجتناب النواهي ، وإنما كل ما هنالك ، هو دستور سماوى ، وقانون إلهى ، يحمله رسول من