الإنسان ، والذي يكاد يكون لفظا خاصا به.
وإذا ذكرنا أن الأمة العربية ـ فى جاهليتها ـ كانت مستخفة بالدماء ، مستبيحة لحرماتها ، مستهينة بإزهاق الأرواح وإراقة الدماء ـ إذا عرفنا ذلك ـ لم نستغرب ، ولم ندهش لهذا التدبير الحكيم فى أخذ النّاس بتلك الأحكام فى قتل الحيوان ، فى حال ما ، وهو الذي أبيح ذبحه وأكله ، فى غير هذه الحال ، فما كان لمجتمع ألف الولوغ فى دم الإنسان ، أن تنتزع منه هذه المشاعر المتحجرة إلا بمثل هذا الأدب السماوي الحكيم.
ثم إن هذا الأدب ، لن يبطل حكمه ، ولن تفتقد حكمته فى أي مجتمع ، وفى أي زمان أو مكان .. فالناس هم الناس ، فى عدوان بعضهم على بعض ، وفى إراقة بعضهم دم بعض .. وحسب هذه الحروب المشبوبة اليوم ، فى كل آفاق الأرض ، وما يراق فيها من دماء ، وما يزهق فيها من أرواح ـ شاهدا على أن الناس هم اليوم أشد حاجة إلى هذا الأدب السماوي من حاجة العرب الجاهليين إليه.
وقوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) هو رفع للحرج ، وغسل الإثم الذي وقع لبعض المسلمين من قتل الصيد عمدا أو خطأ ، قبل أن ينزل هذا الحكم ، ويصبح أمرا ملزما ، بعد أن بلّغه الرسول ، وعرفه المسلمون ..
قوله تعالى : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) هو وعيد لمن تجاوز الله سبحانه وتعالى له ، عما كان منه من هذا الأمر ، قبل أن يأتى حكم الله فيه ، ثم وقع منه هذا المحظور بعد النهى عنه .. فهو حينئذ معرّض لنقمة الله ، واقع تحت عقابه .. (وَاللهُ عَزِيزٌ) لا يفلت من سلطانه أحد (ذُو انْتِقامٍ) يأخذ بمن اعتدى على حرماته ، بنقمته ، وعذابه.