التفسير : وهذا لوط وقومه .. ولكل قوم داؤهم الذي جاء الرسول ليطبّ لهم منه .. وداء هؤلاء القوم هو أنهم يأتون الرجال شهوة من دون النساء ، وقد كانوا فى هذا الفعل المنكر أول أناس فعلوه .. فهم أئمة فى هذا الضلال ، عليهم وزر هذا الإثم ووزر من عمل به إلى يوم القيامة!
والقوم ـ شأنهم شأن كل معتد أثيم ـ يستمرئون هذا الضلال ، ويقيمون له منطقا يقع من نفوسهم موقع اليقين والاطمئنان ، وبهذا عدّوا أنفسهم أصحاب دعوة راشدة ، ودعاة فلسفة حكيمة ، وأن لوطا ومن معه قوم منحرفون ، متجمدون على القديم ، لا يتحولون عنه .. ومن هنا سوّل لهم منطقهم هذا أن يؤذنوا لوطا ورهطه بالخروج من بينهم : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ).
وتجىء الخاتمة ، كخاتمة كل صراع بين حق وباطل ، وهدى وضلال .. (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) أي كانت من هؤلاء القوم الذين هلكوا ومضوا .. فالغابر ، هو الماضي ، إذ كان من شأنه أن تعلوه الغبرة بفعل الزمن .. وقد أصبح هؤلاء القوم فى حكم الغابرين ، إذ قضى الله بإهلاكهم وليس لقضائه من مردّ.
وهذا لوط وأهله إلا امرأته قد نجوا ، وسلموا من هذا البلاء.
وأما قومه فقد أمطروا مطر السّوء .. مطرا من نوع لم يعرفه أحد .. ولهذا جاء النظم القرآنى : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) .. هكذا مطرا منكرا على غير مألوف الحياة .. إنه حجارة من سجيل ، قلبت المدينة وما فيها ظهرا لبطن ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فى سورة هود : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ) فهو ، مطر ولكنه من حجارة ، وهى حجارة ولكنها