نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ـ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» ما يكشف عن فضل الله ، ورحمته بعباده ، وأن ما يكلّفه المؤمنون من أعمال صالحة ، من طاعات وعبادات ، هو مما تحتمله النفس ، ويطيقه كل إنسان .. فلكل إنسان عمل على قدر طافته ، وما تسع نفسه ، إذا هو آمن وأخلص الإيمان لله .. فقد رفع الله الحرج عن عباده ، وأخذهم بلطفه فيما فرض عليهم من تكاليف .. فليس العمل الصالح المطلوب من لنؤمن عملا على إطلاقه ، وإنما هو مقدور بقدر كلّ نفس وما تحتمل. فالمريض .. غير المعافى ، والأعمى .. غير المبصر ، والمقيد .. غير المطلق .. وهكذا .. فقوله تعالى : (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ـ اعتراض بين المبتدأ والخبر ، وهو بهذه الصفة قيد وارد على الإطلاق المفهوم من قوله تعالى : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) .. فما أوسع رحمة الله ، وما أعظم فضله وكرمه!.
وفى قوله تعالى : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) هو نداء من قبل الحقّ سبحانه وتعالى ، يدعو به عباده المؤمنين إلى رحاب جناته ، ثم يخلى بينهم وبينها ، ويجعلها ميراثا لهم ، يرثونه بسبب ما قدموا من أعمال صالحة ، كما يرث الولد ما خلّف ولده ، وما ثمّر له من مال .. فهذه أعمالهم التي عملوها فى دنياهم قد ثمّرت لهم هذا الميراث ، وإنه لميراث عظيم .. جنات تجرى من تحتها الأنهار .. وذلك فضل من فضل الله ، ورحمة من رحماته ، وما تلك الأعمال التي عملها المؤمنون إلا أسباب موصلة إلى مرضاة الله ، أما هى فى ذاتها ، فلا تعدّ شيئا إلى جانب هذا النعيم المقيم ..
____________________________________
الآيات : (٤٤ ـ ٥١)
(وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ