هو دعوة إلى أن يأخذ الناس حظّهم من طيبات الحياة ، وأن يذوقوا من نعم الله التي وضعها بين أيديهم ، ولكن فى غير إسراف ، بل فى قصد واعتدال ، فإن الإسراف يفسد النعمة ، ويفقدها طعمها الطيّب ، حين يمتلىء الإنسان منها ، ويلحّ على جسده بها .. إنها لا تلبث ـ حينئذ ـ أن تتحول إلى شىء تزهد فيه النفس ، بل وتعافه. وهذا هو بعض الحكمة من النهى عن الإسراف.
وقوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ؟) هو إغراء بالتنعم بنعم الله ، والتجمل بها ، وأخذ حاجة النفس منها .. ثم هو إنكار على من يأخذون على أنفسهم أو على الناس الطريق إلى نعم الله ، ويزهدونهم فيها ، أو يحرمونهم منها .. فلمن إذن هذه النعم؟ والله سبحانه وتعالى يقول : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) .. ويقول سبحانه هنا فى هذه الآية : (هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي زينة الله هذه التي أخرج لعباده ، وهذه الطيبات من الرزق ، هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا ، ينعمون بها ، ويرون فضل الله عليهم فيها ، فيزداد حمدهم له ، ويقوى إيمانهم به .. ثم إن هذه النعم سينعمون بها يوم القيامة ، تأتيهم من غير أن يبذلوا لها جهدا ، خالصة من كل شائبة مما كان يشوبها فى الدنيا .. فلا تزهد فيها نفس من شبع ، ولا تملّها عين من نظر .. (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً).
وتخصيص المؤمنين بالذكر هنا : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) إشارة إلى أن المؤمنين هم الذين يتعرفون على الطيبات من الرزق وينعمون بها ، أما غير المؤمنين فلا يفرّقون بين طيب وخبيث ،