شرّا ، حيث لفّها الليل فى سكونه ، واشتمل عليها النعاس بسلطانه ، أو حيث هجعت فى قيلولة ، وفاءت إلى ظلّ ظليل .. فالضربة هنا ضربة مفاجئة لا تدع لأحد سبيلا إلى استجماع نفسه ، أو لمّ شمله ، أو إلقاء نظرة إلى ماله وأهله وولده .. (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).
وقوله تعالى : (فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) إشارة إلى أن الكلمة التي استقبل بها القوم هذا البلاء ، لم تكن إلا إدانة لأنفسهم ، وحجة يقيمها بعضهم على بعض ، بأن ما حلّ بهم لم يكن إلا بما ساقهم إليه سفهاؤهم من كفر بالله ، وصدّ عن سبيله ..
والدعوى هنا بمعنى الدّعاء ، الذي يدعو به بعضهم بعضا .. فيقول كل منهم : هذه فعلة فلان وفلان بنا!! وإذا كانت دعوى أهل السلامة والعافية فى الجنة هى الحمد لله رب العالمين ، كما يقول الله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ فإن دعوى أهل العطب والضياع .. (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) .. ولكن هيهات .. فلن يقبل منهم عذر ، ولا يسمع لهم قول : (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ).
قوله تعالى :
(فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) .. فها هو ذا يوم القيامة ، وها هم أولاء الناس جميعا فى موقف الحساب والجزاء .. يسألون : ما ذا كان منهم فى دنياهم التي خلفوها وراءهم؟ وما ذا كان موقفم من رسل الله؟ .. وهاهم أولاء رسل الله يسألون : «ما ذا أجبتم؟» وما ذا لقيتم من أقوامكم؟ ومن الذي آمن بكم وآزركم ؛ ومن صدّ عنكم وتصدّى لكم؟ .. وتخشع الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ، وتنشر صحف العباد ، ويرى كل إنسان ما عمل من خير أو شرّ ، (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ) فما سئل الناس ، وما استشهد الرسل